تفسير رسالة يوحنا الأولى الإصحاح الخامس (1)
margergs.net :: مكتبة مارجرجس لتفسيرالكتاب المقدس :: تفسير العهد الجديد :: تفسير رسالة يوحنا الرسول الأولي
صفحة 1 من اصل 1
تفسير رسالة يوحنا الأولى الإصحاح الخامس (1)
الإصحاح الخامس
أية 1 :- كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ اللهِ. وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ الْوَالِدَ يُحِبُّ الْمَوْلُودَ مِنْهُ أَيْضاً
كل من يؤمن = ما الذى جعل الرسول ينتقل من الكلام عن المحبة إلى الكلام عن الإيمان ؟ الرسول يريد أن يشرح أن المحبة ليست شيئاً يتمتع به الإنسان الطبيعى (غير المسيحى الذى لم تتعامل معه النعمة) بل هى عطية الروح القدس للمؤمن المعمد. هى طبيعة مكتسبة بها نحب الله والناس حتى الأعداء. وحب الأعداء هذا ليس ممكناً للإنسان العادى الطبيعى... فقط هذا للمؤمن. المحبة التى يتكلم عنها الرسول ليست مشاعر إنسان تجاه إنسان يحبه، بل هى طبيعة جديدة وخليقة جديدة، يحيا بها المؤمن وبها يحب كل إنسان.
ولماذا ذكر الرسول الإيمان فقط دون أن يذكر المعمودية، هل الإيمان وحده دون معمودية يكفى لنحصل على هذه الطبيعة الجديدة ؟
قطعاً لا. والرسول لن يناقض نفسه فهو الذى ذكر أن الولادة الثانية تكون من الماء والروح (يو3: 5) وهو ذكر موضوع المعمودية هنا فى أية (6)، (8). ولكن المقصود أن الإيمان هو المدخل لهذه الطبيعة الجديدة. إذاً الإيمان الذى يتكلم عنه الرسول هنا هو إيمان حى عامل بالمحبة (غل5: 6). إن يسوع هو المسيح = أن يسوع هو إبن الله الذى تجسد ليفدينا ويعطينا حياة جديدة ويعطينا التبنى.
فقد ولد من الله = كما قلنا فالولادة من الله تستلزم الإيمان أولاً ثم المعمودية التى بها تغفر خطايانا وننال التبنى. وعلامة أننا صرنا أولاد لله، أننا نحب الله أبونا. وطالما هو أبونا كلنا، فلابد أن نحب إخوتنا المولودين مثلنا منه = كل من يحب الوالد. يحب المولود منه أيضاً. وبهذا فإن هذه الأية هى إمتداد للأية الأخيرة من الإصحاح السابق التى فيها ينص الرسول على أن من يحب الله يحب أخاه أيضاً. وإرتباط الإيمان بالمحبة نراه فى أن علامة الإيمان الحى هى المحبة. أما من يقول أنا مؤمن وهو لايحب إخوته فإيمانه ميت، كإيمان الشياطين (يع2: 19).
اية 2 :- بِهَذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا نُحِبُّ أَوْلاَدَ اللهِ: إِذَا أَحْبَبْنَا اللهَ وَحَفِظْنَا وَصَايَاهُ
سبق وقال أن علامة محبتنا لله هى محبتنا للإخوة (1يو4: 20، 21) وهو يقول أن علامة محبتنا لأولاد الله هى محبتنا لله، فما المعنى ؟
قد ينخدع الإنسان المؤمن ويتصور أنه يحب الناس، ولكن تكون محبته نفسانية جسدانية أو لمنفعة ما، أو لأنه لا تكون هناك ظروف ومحكات تختبرهذه المحبة، أى لا توجد مشاكل من النوع الذى يجلب الكراهية، فيظن الإنسان نفسه أنه مملوء محبة. لذلك يحدثنا معلمنا يوحنا هنا عن المحبة الحقيقية وعلامتها أننا نحب الله. فالروح القدس يسكب محبة الله فينا أولاً ثم الإخوة. ولكن كيف نعلم أننا نحب الله؟ يجيب الرسول وحفظنا وصاياه. فحفظ الوصايا علامة محبة الله (يو14: 21، 23). وأهم وصية هى المحبة.
اية 3 :- فَإِنَّ هَذِهِ هِيَ مَحَبَّةُ اللهِ: أَنْ نَحْفَظَ وَصَايَاهُ. وَوَصَايَاهُ لَيْسَتْ ثَقِيلَةً،
وصاياه ليست ثقيلة = لماذا ؟
1. إن كنا نحب الله سنجد وصاياه سهلة، فالمحبة تستسهل الأمور الصعبة بل سننفذ الوصايا بدون كبت. فعلامة المحبة هى الطاعة الكاملة لوصايا من تحبه، بل أن تسعى لأن تجعله مسروراً
2. الله لا يأمر بشئ إن لم يعطى قوة على التنفيذ، فهو يعمل بى وفى، هو يحمل معى مهما كان الأمر صعب. هذه مثل "إحملوا نيرى فهو هين" (مت29:11). ولشرح هذا... أننا نكون قادرين على حمل إنسان ثقيل بسهولة فى الماء، فالماء يرفع معنا دون أن نعانى من ثقل الشخص المحمول، ومن لا يعرف ما يفعله الماء يظن أننا نقوم بعمل إعجازى إذ نحمل هذا الشخص الثقيل، وهكذا كل من هو خارج الإيمان يظن أن المؤمن الملتزم بوصايا الله أنه يعمل عملاً عجيباً ن بينما أن الله هو الذى يعمل ويعطى المعونة، بل أن من ولد من الله حقاً يجد لذته وسعادته فى تنفيذ الوصايا. وصايا الله ثقيلة فعلاً على طبيعة الإنسان القديمة (مثل محبة الأعداء والطهارة...). ولكن لنسمع قول بولس الرسول "أستطيع كل شئ فى المسيح الذى سقوينى" (فى13:4) وهذا إستجابة لقول السيد المسيح "بدونى لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً" (يو5:15).
أية 4 :- لأَنَّ كُلَّ مَنْ وُلِدَ مِنَ اللهِ يَغْلِبُ الْعَالَمَ. وَهَذِهِ هِيَ الْغَلَبَةُ الَّتِي تَغْلِبُ الْعَالَمَ: إِيمَانُنَا
كيف نغلب العالم ؟
1. كل من ولد = من ولد من الله، صار إبناً لله. فيحب أبوه ويثق فيه، يثق فى أن كل ما يقوله هو لمصلحته وفائدته، ويهرب من شهوات العالم التى تجذب الإنسان الطبيعى.
2. من يؤمن ويعتمد يحيا المسيح فيه (غل2: 20 + فى1: 21). والمسيح الذى فينا قال ثقوا أنا قد غلبت العالم (يو16: 33). وراجع (1يو3: 9 + 1كو15: 57). فالمسيح الذى فينا يعطينا قوة نغلب بها.
3. من أحب الله إكتشف اللؤلؤة الكثيرة الثمن (مت13: 46) فإحتقر باقى اللألئ أى العالم بما فيه (فى3: 7، 8). ومن إحتقر شهوات العالم يغلب. والروح القدس يسكب محبة الله فينا (رو5: 5).
4. راجع أية (3) لترى كيف أن وصايا الله ليست ثقيلة. عندئذ سنغلب شهوات العالم التى تجذبنا.
أية 5 :- مَنْ هُوَ الَّذِي يَغْلِبُ الْعَالَمَ، إِلاَّ الَّذِي يُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ابْنُ اللهِ؟
لقد إنتصرت الطبيعة البشرية فى يسوع المسيح، ومن يؤمن تكون له النصرة. ولكن ما هو الإيمان المطلوب فى المسيح لكى ننتصر؟ يسوع هو إبن الله = هذه تساوى عظيم هو سر التقوى الله ظهر فى الجسد (1تى16:3) أى الإيمان بسر التجسد. أن الله دخل إلى العالم وأعطانى حياته أحيا بها وهذه هى التى تجعلنى أغلب. وهو عاش كإنسان مثلى وإختبر ضعفناتى، فيستطيع أن يعيننى ويسندنى.
أية 6 :- هَذَا هُوَ الَّذِي أَتَى بِمَاءٍ وَدَمٍ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ. لاَ بِالْمَاءِ فَقَطْ، بَلْ بِالْمَاءِ وَالدَّمِ. وَالرُّوحُ هُوَ الَّذِي يَشْهَدُ، لأَنَّ الرُّوحَ هُوَ الْحَقُّ
فى الأية السابقة حدثنا الرسول عن التجسد. وهنا يحدثنا عن كيفية الإستفادة من سر التجسد... أى بالمعمودية.
هذا هو الذى أتى = أى المسيح. بماء ودم = أى ليس بماء فقط مثل يوحنا المعمدان الذى كان يعمد للتوبة. بل أتى المسيح بماء ودم. لقد أعطى يوحنا أهمية كبيرة لخروج الدم والماء من جنب المسيح لذلك كررها فى إنجيله وفى رسالته، فهو الوحيد الذى رأى الماء والدم من جنب المسيح. وخروج الماء والدم من جنب المسيح إشارة لخروج الكنيسة من جنبه بصفتها حواء الجديدة. وكان المسيح على الصليب فى موته مرموزاً له بأدم النائم (أف3:5 + تك32:2). وعمل المعمودية كان مرموزاً له فى العهد القديم بالتطهير بالماء والدم (لا4:14-7). والجديد فى العهد الجديد هو عمل الروح القدس فى الماء، فالمعمودية ليست ماءً عادياً بل ماء يعمل فيه الروح القدس بإستحقاقات الدم، فيولد المعمد من الماء والروح ولادة جديدة وخليقة جديدة قادرة أن تغلب العالم ولا يكون للخطية سلطان عليها (رو14:6). والخليقة الجدية هى الموضوع الذى يتكلم فيه الرسول، الخليقة الجدية التى تغلب العالم. وهذه الخليقة تكون بالماء ودم يسوع المسيح = أى بالمعمودية والروح هو الذى يشهد = المعمودية هى بالماء والروح (يو5:3). ولكن ذكر الماء والدم، وترك الروح ليذكره هنا، أنه يشهد فى داخلنا لعمل المسيح، ولحياة المسيح فينا، وعمله الخلاصى، وللبنوة التى حصلنا عليها "أرسل الله روح إبنه إلى قلوبكم صارخاً يا أبا ألأب (غل6:4). فالروح لن يحل فينا ويصرخ يا أبا الأب ويشهد للبنوة التى صارت لنا، مالم يكن قد عمل فى الماء لنولد بخليقة جديدة ونصير أبناء فعلاً. وبهذه الطبيعة الجديدة ونغلب العالم وشهواته (أيات5، 4).
والروح القدس الذى فينا هو روح الحق ويشهد للحق (يو13:16، 14) لأن الروح هو الحق= والروح يشهد للمسيح وعمله ويعطينا أن نحبه وأن نختاره فهو الحق ونرفض العالم الباطل، وهذه هى غلبة العالم. وكون أن العالم باطل الأباطيل نجده فى (جا2:1). والروح يعطينا أن نميز بين الحق والباطل ويساعدنا أن نختار الحق لنغلب.
أية 7 :- فَإِنَّ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي السَّمَاءِ هُمْ ثَلاَثَةٌ: الآبُ، وَالْكَلِمَةُ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ. وَهَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ هُمْ وَاحِد
ليس الروح القدس فقط هو الذى يشهد للمسيح وعمله فينا، بل إن الثالوث الأقدس يشهد لتجسد الإبن وعمله الخلاصى للإنسان.
فالأب شهد للإبن فى يوم المعمودية وفى يوم التجلى وفى الهيكل أمام الكثيرين (مت17:3 + مت5:17 + لو35:9 + يو28:12-30) والإبن شهد لنفسه بأقواله وتعاليمه ومعجزاته وقيامته (رو4:1) وصعوده أمام أعين تلاميذه. ولنذكر قول السيد المسيح "أتيت لتكون لهم حياة ويكون لهم أفضل".
والروح القدس شهد له فى النبوات التى أوحى بها لأنبياء العهد القديم، وبحلوله على هيئة حمامه. وهو يشهد للمسيح داخلنا (14:16).
هم واحد = فنحن نؤمن بإله واحد مثلث الأقانيم.
أية 8 :- وَالَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي الأَرْضِ هُمْ ثَلاَثَةٌ: الرُّوحُ، وَالْمَاءُ، وَالدَّمُ. وَالثَّلاَثَةُ هُمْ فِي الْوَاحِدِ
الذين يشهدون فى الأرض = الآن. فالآن الروح القدس لا يحل بشكل منظور (حمامة أو ألسنة نار). والآب لا يتكلم ليشهد للمسيح من السماء. والإبن لا نراه بأعيننا الجسدية. ولكن عمل الله الخلاصى والذى يبدأ فى حياة المؤمن بالمعمودية مشهوداً له بالمعمودية. وهى روح وماء ودم والثلاثة فى واحد = الواحد هو جسد المسيح الذى تدفق منه الماء والدم، والروح القدس حل على جسد المسيح لحساب الكنيسة كلها يوم عماد المسيح من المعمدان. والروح الأن يعمل فى ماء المعمودية، وذلك بقوة دم المسيح، فتلد المعمودية أبناء لله، خليقة جديدة، وكل من شعر بقوة هذه الخليقة الجديدة وإمكانياتها يدرك عمل المسيح الخلاصى، هذه القوة التى تعطيها المعمودية لأولاد الله تشهد على أن المسيح هو مخلص العالم بدمه. والمعمودية لا معنى لها بدون وجود أحد الثلاثة عناصر (الماء والدم والروح). والولادة من الماء والروح نص عليها السيد المسيح فى (يو5:3).
أية 9 :- إِنْ كُنَّا نَقْبَلُ شَهَادَةَ النَّاسِ فَشَهَادَةُ اللهِ أَعْظَمُ، لأَنَّ هَذِهِ هِيَ شَهَادَةُ اللهِ الَّتِي قَدْ شَهِدَ بِهَا عَنِ ابْنِه
نقبل شهادة الناس = كثيرون شهدوا للمسيح إبتداء من نثنائيل (يو49:1) وحتى لونجينوس الجندى (مر39:15). فشهادة الله أعظم = شهادة الثالوث عن عمل المسيح، أن المسيح أتى ليعطينى حياة (موضوع هذا الإصحاح).
أية 10 :- مَنْ يُؤْمِنُ بِابْنِ اللهِ فَعِنْدَهُ الشَّهَادَةُ فِي نَفْسِهِ. مَنْ لاَ يُصَدِّقُ اللهَ فَقَدْ جَعَلَهُ كَاذِباً، لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِالشَّهَادَةِ الَّتِي قَدْ شَهِدَ بِهَا اللهُ عَنِ ابْنِه
من يؤمن بإبن الله = المؤمن هو إنسان معمد، حل فيه الروح القدس، وصار مسكناً للروح، والروح يشهد فى داخله للمسيح شهادة عملية إختبارية، من لا يصدق من الله = من يقاوم شهادة الله فى داخله أى صوت الروح القدس، ومن لا يصدق الكتب المقدسة، ومن يقاوم الإيمان المسلم مرة للقديسين (يه3) والمودع فى الكنيسة، يجعل الله كاذباً.
أية 11 :- وَهَذِهِ هِيَ الشَّهَادَةُ: أَنَّ اللهَ أَعْطَانَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَهَذِهِ الْحَيَاةُ هِيَ فِي ابْنِه
الله يشهد لإبنه ليس لأن إبنه يحتاج لهذه الشهادة، بل لنا نحن، إذ أن الإبن كان هدف تجسده أن نؤمن به فيكون لنا حياة ابدية. "وهذه هى الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى وحدك ويسوع المسيح الذى أرسلته". (يو3:17 + يو15:3). وهذه الحياة هى فى إبنه = هذه الحياة التى أعطاها لنا الله تسرى فينا:
1. بالإيمان.
2. بالمعمودية (دم+ ماء + روح).
3. بالتناول من جسد الرب لنثبت فيه "من يأكلنى يحيا".
والحياة البدية ليس معناها أن نحيا للأبد، فالأشرار والشياطين سيحيون للأبد، ولكن فى عذاب جهنم. ولكن المقصود بالحياة الأبدية هى أن تكون لنا حياة الله ذاته، نحيا بها. وهى حياة كلها قوة وغلبة ومجد ونور وفرح وسلام ومحبة وطهارة وهى تبدأ من الأن.
أية 1 :- كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ اللهِ. وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ الْوَالِدَ يُحِبُّ الْمَوْلُودَ مِنْهُ أَيْضاً
كل من يؤمن = ما الذى جعل الرسول ينتقل من الكلام عن المحبة إلى الكلام عن الإيمان ؟ الرسول يريد أن يشرح أن المحبة ليست شيئاً يتمتع به الإنسان الطبيعى (غير المسيحى الذى لم تتعامل معه النعمة) بل هى عطية الروح القدس للمؤمن المعمد. هى طبيعة مكتسبة بها نحب الله والناس حتى الأعداء. وحب الأعداء هذا ليس ممكناً للإنسان العادى الطبيعى... فقط هذا للمؤمن. المحبة التى يتكلم عنها الرسول ليست مشاعر إنسان تجاه إنسان يحبه، بل هى طبيعة جديدة وخليقة جديدة، يحيا بها المؤمن وبها يحب كل إنسان.
ولماذا ذكر الرسول الإيمان فقط دون أن يذكر المعمودية، هل الإيمان وحده دون معمودية يكفى لنحصل على هذه الطبيعة الجديدة ؟
قطعاً لا. والرسول لن يناقض نفسه فهو الذى ذكر أن الولادة الثانية تكون من الماء والروح (يو3: 5) وهو ذكر موضوع المعمودية هنا فى أية (6)، (8). ولكن المقصود أن الإيمان هو المدخل لهذه الطبيعة الجديدة. إذاً الإيمان الذى يتكلم عنه الرسول هنا هو إيمان حى عامل بالمحبة (غل5: 6). إن يسوع هو المسيح = أن يسوع هو إبن الله الذى تجسد ليفدينا ويعطينا حياة جديدة ويعطينا التبنى.
فقد ولد من الله = كما قلنا فالولادة من الله تستلزم الإيمان أولاً ثم المعمودية التى بها تغفر خطايانا وننال التبنى. وعلامة أننا صرنا أولاد لله، أننا نحب الله أبونا. وطالما هو أبونا كلنا، فلابد أن نحب إخوتنا المولودين مثلنا منه = كل من يحب الوالد. يحب المولود منه أيضاً. وبهذا فإن هذه الأية هى إمتداد للأية الأخيرة من الإصحاح السابق التى فيها ينص الرسول على أن من يحب الله يحب أخاه أيضاً. وإرتباط الإيمان بالمحبة نراه فى أن علامة الإيمان الحى هى المحبة. أما من يقول أنا مؤمن وهو لايحب إخوته فإيمانه ميت، كإيمان الشياطين (يع2: 19).
اية 2 :- بِهَذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا نُحِبُّ أَوْلاَدَ اللهِ: إِذَا أَحْبَبْنَا اللهَ وَحَفِظْنَا وَصَايَاهُ
سبق وقال أن علامة محبتنا لله هى محبتنا للإخوة (1يو4: 20، 21) وهو يقول أن علامة محبتنا لأولاد الله هى محبتنا لله، فما المعنى ؟
قد ينخدع الإنسان المؤمن ويتصور أنه يحب الناس، ولكن تكون محبته نفسانية جسدانية أو لمنفعة ما، أو لأنه لا تكون هناك ظروف ومحكات تختبرهذه المحبة، أى لا توجد مشاكل من النوع الذى يجلب الكراهية، فيظن الإنسان نفسه أنه مملوء محبة. لذلك يحدثنا معلمنا يوحنا هنا عن المحبة الحقيقية وعلامتها أننا نحب الله. فالروح القدس يسكب محبة الله فينا أولاً ثم الإخوة. ولكن كيف نعلم أننا نحب الله؟ يجيب الرسول وحفظنا وصاياه. فحفظ الوصايا علامة محبة الله (يو14: 21، 23). وأهم وصية هى المحبة.
اية 3 :- فَإِنَّ هَذِهِ هِيَ مَحَبَّةُ اللهِ: أَنْ نَحْفَظَ وَصَايَاهُ. وَوَصَايَاهُ لَيْسَتْ ثَقِيلَةً،
وصاياه ليست ثقيلة = لماذا ؟
1. إن كنا نحب الله سنجد وصاياه سهلة، فالمحبة تستسهل الأمور الصعبة بل سننفذ الوصايا بدون كبت. فعلامة المحبة هى الطاعة الكاملة لوصايا من تحبه، بل أن تسعى لأن تجعله مسروراً
2. الله لا يأمر بشئ إن لم يعطى قوة على التنفيذ، فهو يعمل بى وفى، هو يحمل معى مهما كان الأمر صعب. هذه مثل "إحملوا نيرى فهو هين" (مت29:11). ولشرح هذا... أننا نكون قادرين على حمل إنسان ثقيل بسهولة فى الماء، فالماء يرفع معنا دون أن نعانى من ثقل الشخص المحمول، ومن لا يعرف ما يفعله الماء يظن أننا نقوم بعمل إعجازى إذ نحمل هذا الشخص الثقيل، وهكذا كل من هو خارج الإيمان يظن أن المؤمن الملتزم بوصايا الله أنه يعمل عملاً عجيباً ن بينما أن الله هو الذى يعمل ويعطى المعونة، بل أن من ولد من الله حقاً يجد لذته وسعادته فى تنفيذ الوصايا. وصايا الله ثقيلة فعلاً على طبيعة الإنسان القديمة (مثل محبة الأعداء والطهارة...). ولكن لنسمع قول بولس الرسول "أستطيع كل شئ فى المسيح الذى سقوينى" (فى13:4) وهذا إستجابة لقول السيد المسيح "بدونى لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً" (يو5:15).
أية 4 :- لأَنَّ كُلَّ مَنْ وُلِدَ مِنَ اللهِ يَغْلِبُ الْعَالَمَ. وَهَذِهِ هِيَ الْغَلَبَةُ الَّتِي تَغْلِبُ الْعَالَمَ: إِيمَانُنَا
كيف نغلب العالم ؟
1. كل من ولد = من ولد من الله، صار إبناً لله. فيحب أبوه ويثق فيه، يثق فى أن كل ما يقوله هو لمصلحته وفائدته، ويهرب من شهوات العالم التى تجذب الإنسان الطبيعى.
2. من يؤمن ويعتمد يحيا المسيح فيه (غل2: 20 + فى1: 21). والمسيح الذى فينا قال ثقوا أنا قد غلبت العالم (يو16: 33). وراجع (1يو3: 9 + 1كو15: 57). فالمسيح الذى فينا يعطينا قوة نغلب بها.
3. من أحب الله إكتشف اللؤلؤة الكثيرة الثمن (مت13: 46) فإحتقر باقى اللألئ أى العالم بما فيه (فى3: 7، 8). ومن إحتقر شهوات العالم يغلب. والروح القدس يسكب محبة الله فينا (رو5: 5).
4. راجع أية (3) لترى كيف أن وصايا الله ليست ثقيلة. عندئذ سنغلب شهوات العالم التى تجذبنا.
أية 5 :- مَنْ هُوَ الَّذِي يَغْلِبُ الْعَالَمَ، إِلاَّ الَّذِي يُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ابْنُ اللهِ؟
لقد إنتصرت الطبيعة البشرية فى يسوع المسيح، ومن يؤمن تكون له النصرة. ولكن ما هو الإيمان المطلوب فى المسيح لكى ننتصر؟ يسوع هو إبن الله = هذه تساوى عظيم هو سر التقوى الله ظهر فى الجسد (1تى16:3) أى الإيمان بسر التجسد. أن الله دخل إلى العالم وأعطانى حياته أحيا بها وهذه هى التى تجعلنى أغلب. وهو عاش كإنسان مثلى وإختبر ضعفناتى، فيستطيع أن يعيننى ويسندنى.
أية 6 :- هَذَا هُوَ الَّذِي أَتَى بِمَاءٍ وَدَمٍ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ. لاَ بِالْمَاءِ فَقَطْ، بَلْ بِالْمَاءِ وَالدَّمِ. وَالرُّوحُ هُوَ الَّذِي يَشْهَدُ، لأَنَّ الرُّوحَ هُوَ الْحَقُّ
فى الأية السابقة حدثنا الرسول عن التجسد. وهنا يحدثنا عن كيفية الإستفادة من سر التجسد... أى بالمعمودية.
هذا هو الذى أتى = أى المسيح. بماء ودم = أى ليس بماء فقط مثل يوحنا المعمدان الذى كان يعمد للتوبة. بل أتى المسيح بماء ودم. لقد أعطى يوحنا أهمية كبيرة لخروج الدم والماء من جنب المسيح لذلك كررها فى إنجيله وفى رسالته، فهو الوحيد الذى رأى الماء والدم من جنب المسيح. وخروج الماء والدم من جنب المسيح إشارة لخروج الكنيسة من جنبه بصفتها حواء الجديدة. وكان المسيح على الصليب فى موته مرموزاً له بأدم النائم (أف3:5 + تك32:2). وعمل المعمودية كان مرموزاً له فى العهد القديم بالتطهير بالماء والدم (لا4:14-7). والجديد فى العهد الجديد هو عمل الروح القدس فى الماء، فالمعمودية ليست ماءً عادياً بل ماء يعمل فيه الروح القدس بإستحقاقات الدم، فيولد المعمد من الماء والروح ولادة جديدة وخليقة جديدة قادرة أن تغلب العالم ولا يكون للخطية سلطان عليها (رو14:6). والخليقة الجدية هى الموضوع الذى يتكلم فيه الرسول، الخليقة الجدية التى تغلب العالم. وهذه الخليقة تكون بالماء ودم يسوع المسيح = أى بالمعمودية والروح هو الذى يشهد = المعمودية هى بالماء والروح (يو5:3). ولكن ذكر الماء والدم، وترك الروح ليذكره هنا، أنه يشهد فى داخلنا لعمل المسيح، ولحياة المسيح فينا، وعمله الخلاصى، وللبنوة التى حصلنا عليها "أرسل الله روح إبنه إلى قلوبكم صارخاً يا أبا ألأب (غل6:4). فالروح لن يحل فينا ويصرخ يا أبا الأب ويشهد للبنوة التى صارت لنا، مالم يكن قد عمل فى الماء لنولد بخليقة جديدة ونصير أبناء فعلاً. وبهذه الطبيعة الجديدة ونغلب العالم وشهواته (أيات5، 4).
والروح القدس الذى فينا هو روح الحق ويشهد للحق (يو13:16، 14) لأن الروح هو الحق= والروح يشهد للمسيح وعمله ويعطينا أن نحبه وأن نختاره فهو الحق ونرفض العالم الباطل، وهذه هى غلبة العالم. وكون أن العالم باطل الأباطيل نجده فى (جا2:1). والروح يعطينا أن نميز بين الحق والباطل ويساعدنا أن نختار الحق لنغلب.
أية 7 :- فَإِنَّ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي السَّمَاءِ هُمْ ثَلاَثَةٌ: الآبُ، وَالْكَلِمَةُ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ. وَهَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ هُمْ وَاحِد
ليس الروح القدس فقط هو الذى يشهد للمسيح وعمله فينا، بل إن الثالوث الأقدس يشهد لتجسد الإبن وعمله الخلاصى للإنسان.
فالأب شهد للإبن فى يوم المعمودية وفى يوم التجلى وفى الهيكل أمام الكثيرين (مت17:3 + مت5:17 + لو35:9 + يو28:12-30) والإبن شهد لنفسه بأقواله وتعاليمه ومعجزاته وقيامته (رو4:1) وصعوده أمام أعين تلاميذه. ولنذكر قول السيد المسيح "أتيت لتكون لهم حياة ويكون لهم أفضل".
والروح القدس شهد له فى النبوات التى أوحى بها لأنبياء العهد القديم، وبحلوله على هيئة حمامه. وهو يشهد للمسيح داخلنا (14:16).
هم واحد = فنحن نؤمن بإله واحد مثلث الأقانيم.
أية 8 :- وَالَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي الأَرْضِ هُمْ ثَلاَثَةٌ: الرُّوحُ، وَالْمَاءُ، وَالدَّمُ. وَالثَّلاَثَةُ هُمْ فِي الْوَاحِدِ
الذين يشهدون فى الأرض = الآن. فالآن الروح القدس لا يحل بشكل منظور (حمامة أو ألسنة نار). والآب لا يتكلم ليشهد للمسيح من السماء. والإبن لا نراه بأعيننا الجسدية. ولكن عمل الله الخلاصى والذى يبدأ فى حياة المؤمن بالمعمودية مشهوداً له بالمعمودية. وهى روح وماء ودم والثلاثة فى واحد = الواحد هو جسد المسيح الذى تدفق منه الماء والدم، والروح القدس حل على جسد المسيح لحساب الكنيسة كلها يوم عماد المسيح من المعمدان. والروح الأن يعمل فى ماء المعمودية، وذلك بقوة دم المسيح، فتلد المعمودية أبناء لله، خليقة جديدة، وكل من شعر بقوة هذه الخليقة الجديدة وإمكانياتها يدرك عمل المسيح الخلاصى، هذه القوة التى تعطيها المعمودية لأولاد الله تشهد على أن المسيح هو مخلص العالم بدمه. والمعمودية لا معنى لها بدون وجود أحد الثلاثة عناصر (الماء والدم والروح). والولادة من الماء والروح نص عليها السيد المسيح فى (يو5:3).
أية 9 :- إِنْ كُنَّا نَقْبَلُ شَهَادَةَ النَّاسِ فَشَهَادَةُ اللهِ أَعْظَمُ، لأَنَّ هَذِهِ هِيَ شَهَادَةُ اللهِ الَّتِي قَدْ شَهِدَ بِهَا عَنِ ابْنِه
نقبل شهادة الناس = كثيرون شهدوا للمسيح إبتداء من نثنائيل (يو49:1) وحتى لونجينوس الجندى (مر39:15). فشهادة الله أعظم = شهادة الثالوث عن عمل المسيح، أن المسيح أتى ليعطينى حياة (موضوع هذا الإصحاح).
أية 10 :- مَنْ يُؤْمِنُ بِابْنِ اللهِ فَعِنْدَهُ الشَّهَادَةُ فِي نَفْسِهِ. مَنْ لاَ يُصَدِّقُ اللهَ فَقَدْ جَعَلَهُ كَاذِباً، لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِالشَّهَادَةِ الَّتِي قَدْ شَهِدَ بِهَا اللهُ عَنِ ابْنِه
من يؤمن بإبن الله = المؤمن هو إنسان معمد، حل فيه الروح القدس، وصار مسكناً للروح، والروح يشهد فى داخله للمسيح شهادة عملية إختبارية، من لا يصدق من الله = من يقاوم شهادة الله فى داخله أى صوت الروح القدس، ومن لا يصدق الكتب المقدسة، ومن يقاوم الإيمان المسلم مرة للقديسين (يه3) والمودع فى الكنيسة، يجعل الله كاذباً.
أية 11 :- وَهَذِهِ هِيَ الشَّهَادَةُ: أَنَّ اللهَ أَعْطَانَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَهَذِهِ الْحَيَاةُ هِيَ فِي ابْنِه
الله يشهد لإبنه ليس لأن إبنه يحتاج لهذه الشهادة، بل لنا نحن، إذ أن الإبن كان هدف تجسده أن نؤمن به فيكون لنا حياة ابدية. "وهذه هى الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى وحدك ويسوع المسيح الذى أرسلته". (يو3:17 + يو15:3). وهذه الحياة هى فى إبنه = هذه الحياة التى أعطاها لنا الله تسرى فينا:
1. بالإيمان.
2. بالمعمودية (دم+ ماء + روح).
3. بالتناول من جسد الرب لنثبت فيه "من يأكلنى يحيا".
والحياة البدية ليس معناها أن نحيا للأبد، فالأشرار والشياطين سيحيون للأبد، ولكن فى عذاب جهنم. ولكن المقصود بالحياة الأبدية هى أن تكون لنا حياة الله ذاته، نحيا بها. وهى حياة كلها قوة وغلبة ومجد ونور وفرح وسلام ومحبة وطهارة وهى تبدأ من الأن.
مواضيع مماثلة
» تفسير رسالة يوحنا الأولى الإصحاح الخامس (2)
» تفسير رسالة يوحنا الأولى الإصحاح الثانى (2)
» تفسير رسالة يوحنا الأولى الإصحاح الرابع (2)
» تفسير رسالة يوحنا الأولى الإصحاح الأول (1)
» تفسير رسالة يوحنا الأولى الإصحاح الأول (2)
» تفسير رسالة يوحنا الأولى الإصحاح الثانى (2)
» تفسير رسالة يوحنا الأولى الإصحاح الرابع (2)
» تفسير رسالة يوحنا الأولى الإصحاح الأول (1)
» تفسير رسالة يوحنا الأولى الإصحاح الأول (2)
margergs.net :: مكتبة مارجرجس لتفسيرالكتاب المقدس :: تفسير العهد الجديد :: تفسير رسالة يوحنا الرسول الأولي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى